برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى | ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا
|
ورغم القلوبِ التي تستفيضُ | عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى
|
وإذ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ | ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى
|
وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ | تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى
|
وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين | كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا
|
فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ | وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا
|
وأنت إذا الخطبُ ألقى الْجِران | وحطَّ بكلكلهِ فارتمى
|
ألحْتَ بشِعرِكَ للبائسين ، | بداجي الخُطوبِ ، بَريقَ المُنى
|
توحُ على مثلِ شَوك القَتادِ | وتغدو على مثل جَمْرِ الغضا
|
وتطوي الضُّلوعَ على نافذٍ | من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى
|
دريئةَ كلِّ جذيم اليدينِ | رمى عن يَدَيْ غيرهِ إذ رَمى
|
رمى عن يدَيْ حاقدٍ نافسٍ | عليك احتشادَ العلى والندى
|
وحلِساً لدارِكَ والمُقْرفون | يجولونَ كلَّ مجالٍ بدا
|
على حينَ راحَ هجينُ الطباعِ | تَنطَّفُ أطرافُه بالخَنا
|
أدَرَّ عليه ثُدِيَّ الخُمولِ | وهزَّتْهُ في المهدِ كفُّ الغَبا
|
يجرُّ ذيولَ الخنا والغِنى | وتهفو عليه ظِلالُ المُنى
|
وحولَكَ مثلُ فِراخِ الحَمامِ | لولا الشعورُ – وزُغْبِ القَطا
|
تدورُ عيونُهمُ والذَّكاءُ | يَلمَعُ فيها كحدِّ الظُبا
|
إلى كلِّ شَوْهاءَ مرذولةٍ | وأشوَهَ مستأثِرٍ بالغِنى
|
وتَرْجِعُ والعتبُ في مُوقِها | تَساءلُ : أيُّكما المُبتلى ؟
|
بـ " علقمةَ الفحلِ " أُزجي اليمينَ | أنَّي ألَذُّ بمُرِّ الجنى
|
وبـ " الشَّنْفَرى " أنَّ عينَّي لا | تَلَذّانِ في النومِ طعمَ الكرى
|
وبـ " المتنبئِ " أنَّ البَلاءَ ، | إذا جدَّ ، يَعلم " أني الفتى "
|
ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ | بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا
|
فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ | يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا
|
ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ | بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى
|
على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ | لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى
|
تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ | فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى
|
فما هي أوّلُ مجذومةٍ | مخافةَ عدوى بها تُنتفى
|
ولا هي أوّلُ " أغلوطةٍ " | محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى
|
وما بالنفوسِ اللواتي ملكنَ | بأطماحهنَّ عَنانَ السّما
|
عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ | ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى
|
إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ ، | صغارَ الحلومِ ، صغارَ الهوى
|
يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم | به عن هوانهمُ : يُشتفى
|
أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ | فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى
|
زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ | وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى
|
وأشباحُ ناسٍ ، وإنْ أُوهِمُوا | بأنّهمُ .. " قادةٌ " في الورى
|
ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ | سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما
|
وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ | كثيرَ الصيالِ ، شديدَ القوى
|
من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ | يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟!
|
بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ | وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟!
|
أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ | ونفحُ الرمالِ ، وبذْخُ العرا!!
|
بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ | وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى
|
إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء | جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى
|
وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ | وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى
|
فوارقُ لا يَمَّحي عارُها | ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ " سوى !"
|
بحيثُ يقالُ إذا ما مشى الصّليُّ | بها : إنّ وغداً بدا
|
وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ | بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا
|
أقولُ لنفسيْ – إذاضمَّها | وأترابَها محفِلٌ يُزدهى
|
تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ | إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى
|
وأحسنُ ما فيكِ أنّ " الضميرَ " | يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا
|
وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ | تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى
|
ولم تستطعْ هممُ المدَّعين | صبراً على جمرةٍ المدَّعى
|
خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ " القُيون " | تَرعرَع في النار ثمَّ استوى
|
تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا | يَقَرّانِ إلا على مُرتقى
|
كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ | والهمِّ ، مخلوقةٌ للذُّرى
|
شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ | لأبعدَ ما في المدى من مدى
|
وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ | بما تتركينَ بها من صدى
|
بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ | تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى
|
وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ | يُخاف على الرُّوحِ منه العمى
|
يموتُ " النبوغُ " بأحضانه | ويُنعى به " الأمل " المرتجى
|
وتمشي الجموعُ على ضوئهِ | لتبكي على عبقريٍّ قضى
|
وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها | حواشيه .. ردَّكِ عزمٌ قَضى
|
لشرِّ النِهاياتِ هذا " المطافُ " | وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى
|
متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ | تُساقُ إلى حتفِها بالعصا
|
تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ | ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا
|
وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ | كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى
|
يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ | إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى
|
وتسمَنُ منها عِجافٌ مَشتْ | إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصي
|
تُراودُها عِزّضها كالقُرومِ | هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا
|
عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها | لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا
|
وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها | كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى
|
وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ | بها : كيف إيقاظُها أو متى
|
ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها | على الذُّلِّ ، أيَّ خيالٍ تَرى
|
أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا | كرىً ،أمْ صبياً بريئاً غفا؟
|
متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى | عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى
|
وقد نَفَض الكهفُ عن أهله | غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟
|
تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ | وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما
|
وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها | كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا
|
وأصنامِ بَغْيٍ يصُبّونها | ويَدْعُونها مَثلاً يُقتدى
|
يُثيرونَ من حولِها ضَجَّةً | بها عن مَخازيهمُ يُلتهى
|
كما حَجَبَتْ بالغُبارِ العيون | خِفافٌ مُهرّأةٌ تُحتذى
|
فهذا سيمضي وهذا مضى | وهذا سيأتي وهذا أتى
|
وهذا " زعيمٌ " ، لأنّ السفيرَ | يرنو إليه بعينِ الرّضا
|
وفي ذاكَ عن سُخطِ أهل البلادِ | على حُكمهِ أو رضاهم غِنى
|
وهذا بعِمتَّهِ ، ساخراً ، | من " الجنِّ " يَرفعها للعلى
|
تجيءُ المطامعُ منقادةً | إليه إذا شاءَ أو لم يَشا
|
وليتك تحَسِبُ أزياءهم | فتجمعَ منها زهورَ الرُّبى
|
فتلكَ اللفائفُ كالأُقحُوانِ | بها العِلمُ ينفحُ طيبَ الشذا!
|
تَطُقُّ المسابحُ من حولِها | لتُعلِنَ أنَّ مَلاكاً أتى
|
وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ | تاهَ " العِقالُ " بها وازدهى !
|
تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ | على كتفَيْ " يابسٍ " كالصُوى
|
يَوَدُّ من " التِّيهِ !" لو أنَّه | يَشُدُّ بها " جَرَساً ! " إنْ مشى
|
لِيَعلِمَ سامعُه أنَّه | " ينوبُ !" عن البلدِ المُبتلى
|
إذا رَفعَ اليدَ للحاكمينَ | بدَتْ " نَعَمٌ " وهي في زيِّ " لا! "
|
وبينهما محدَثٌ ناشيءٌ | إذا خطَّ تَعرِفُه أو حَكى
|
تعوِّذُه أُمُّه إنْ مشى | إلى " البرلمانِ " بأمِّ القرى
|
ومُستسلمين يَرونَ الكفاحَ | قَوراء مدحوَّةً تُمتطى
|
فَتغرُزُ في رَخوةٍ سَمْحَةٍ | وتنفِرُ عن ذي مِسَنٍّ قَسا
|
يَرَوْنَ السياسةَ أنْ لا يمسَّ | هذا ، وأنْ يُتَّقى شرُّ ذا
|
وهذا وذا في صميمِ البلادِ | سُلٌّ ، وفي العينِ منها قذى
|
مساكين يقتحمونَ الكفاحَ | وقد راعهمْ بابُه مِن كُوى
|
وما هو إلاَّ احتمالُ الخُطوبِ | وإلاّ الأذى والعَرا والطَّوى
|
فهمْ يعرفونَ مزايا الخُلودِ | ولا يُنكرونَ مزايا الفَنا
|
وهمْ يعشَقونَ هُتافَ الجموعِ | ويَخْشونَ ما بعدَه من عَنا
|
فليتَ لنا بهمُ ناقةً | تُطيق الحفا والوجا والوحى
|
وتجترُّ بالجوعِ ما عندَها | وتَطوي على الخِمْسِ حَرَّ الظما
|
ومُحتقِبٍ شرَّ ما يُجتوى | مشى ناصباً رأسهُ كاللِّوا
|
مشى ومشتْ خلفَهُ عُصبةٌ | تقيسُ خُطاهُ إذا ما مشى
|
يُحبُّ " السلامةَ " مشفوعةً | بدَعوى " الجْبانِ " بحُبِّ الوَغى
|
ويجمعُ بينَ ظِلالِ القصورِ | وعَصْرِ الخمورِ ورشْفِ اللَّمى
|
وعيشِ " المَهازيلِ " في ناعمٍ | من العيشِ مِن مثلهِ يُستحى
|
وبينَ " الزعامةِ ! " لا تُصطَفَى | بغيرِ السجونِ ولا تُشترى
|
ولم أدرِ كيفَ يكونُ الزعيمُ | إذا لم يكنْ لاصقاً بالثرى
|
ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ | يظنّونها جُبَباً تُرتدى
|
كما جاوبتْ " بومةٌ ! " بومةً | تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا
|
ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ | من القولِ ، رعيَ الجمالِ الكلا
|
يرَوْنَ " وُرَيقاتِهم " بُلغةً | من العيشِ لا غايةً تُبتغى
|
فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ | لمنْ يعتلي ، صهوةٌ تعتلى
|
ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ | زوايا المقاهي لهم مُنتدى
|
تصايَح باللغوِ ما بينها | صِياحَ اللقالق تنفي الحصى
|
وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ | تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما
|
ألا يخجلونَ إذا قايسوا | حياتَهمُ بحياةِ الأُلى
|
سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ | فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى
|
وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ | فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى
|
وعارٍ تحلّى بثوب الأديب | وممَّا يُزكّي أديباً خَلا
|
ومن تبعات النُّفوس الكبار | بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى
|
ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه | فوغداً أهرَّ ووغداً شلا
|
إذا ما تصفحتَ أصنامَه | وهُزأةَ ألقابها والكُنى
|
أراكَ- وإن أنكرَ العالمانِ - | بمزمارِ داودَ ، بُوماً شدا
|
وأنَّ غُراباً شأى " معبداً " | وأنّ حِماراً " غريضاً " حَكى
|
بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ | كلُّ الذي تشتهيهِ طها
|
يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ | ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا
|
يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى | ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى
|
يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل | جُذَيْلاً هجا ، وعُذَيْقاً رمى
|
وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً | أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا
|
حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ | بفَضْلاتهِ ، وزوي ما زوى
|
وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ | وأنيابَهنَّ بها واختفى
|
يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ | تُدير على الأرضِ حُكم السَّما
|
ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ | على الناسِ يَجري : بأيدي سبا
|
وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى | وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا
|
فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ | على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟
|
وأضحى " ثمودُ " و " لوطٌ " به | ومَن لهما في الشرورِ انتمى
|
ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ | وجارَ على أهلها واحتمى
|
حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ | في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا
|
يسائلُ بعضٌ به بعضهم | أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟!
|
أُخِذْتَ لأني ركبتُ الطريقَ | شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى
|
وأنت أُخِذْتَ على ناقةٍ | بفلْسينِ أمثالُهما تُشترى
|
وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ | تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا
|
نجيءُ الحياةَ على رِسلِها | نهاياتُها عندنا كالبِدي
|
ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي | ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي
|
ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ | فيُشرِقنا كبتُها بالشجا
|
إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا | بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى
|
ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ | ما كانَ غيرَهمُ ، والتَّوى
|
وجَدنا هُنا كلَّ ذي عَورةٍ | على كلِّ ذي حُرمةٍ قد سطا
|
وكلَّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ | تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى
|
وجَدنا الرَّجالَ هنا بالرِّجالِ | لاهينَ ، في وَضَحٍ من سَنا
|
على حينَ تختصُّ نِسوانُهم | نساءً ، ومنتصِفٌ مَن جزى
|
وجدَنا الزعيمَ – كما يَنْعَتُونَ - | على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى
|
وجدنا الخبائثَ والطَّيباتِ | بأضدادِهنَّ – هُنا – تُصطفى
|
وجدنا الرَّجالَ وأسماءَهم | يُخَّففُ من قُبحها بالكُنى
|
بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ | وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى
|
ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي | لدى الناسِ في وجهها والقفا
|
سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ | يبدو ، ولا وجهُها من ورا
|
ولا يستبيحُ بها سابقاً | إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا
|
ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ | ذميمٌ ، ولا يدّري مَن وعى
|
وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى | لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى
|
وكان بها المُثُل الصالحاتُ | لا الطالحاتُ ، هي المُقتدى
|
فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً | جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى
|
ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً | لتحضِنَ منه خيالاً سَرى
|
وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ | بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى
|
ولا تُنكروا أنَّ " عُشّاً " به | تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا
|
كطُهْرِ " الطفولةِ " أجواؤه | وأفياؤه كرفيفِ الضحى
|
ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه | لكم في صميمِ زمانٍ جَسا
|
ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ | نزلنا إليها ، وأيَّ الهُوى
|
وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له | بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا
|
ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى | وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى
|
وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ | أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا
|
ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً | بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى
|
وشرُّ " السهامِ " رُواءُ النعيمِ | وشرُّ " النضالِ " بريق الغِنى
|
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ | وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
|
على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ | على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى
|
على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى | كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى
|
بإِيسارهِ يومَ أعذاقُه | تَرفّث ، وبالعسرِ عندَ القنى
|
وبالسَّعْفِ والكَرَبِ المُستجِدِّ | ثوباً " تهرّا " وثوباً نضا
|
ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها | كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى
|
ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ | تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى
|
تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ | يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى
|
سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها | عليها هَفا وإليها رَنا
|
تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها | وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى
|
كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها | من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى
|
رواءُ النميرِ لها لُحمةٌ | وذَوبُ الشعاعِ عليها سَدى
|
ونجمٌ تَغَوَّرَ من حُبّها | ونجمٌ عليها ادَّنى فادَّلى
|
على الجْسِرِ ما انفكَّ من جانبيهِ | يُتيحُ الهَوى مِن عيونِ المها
|
فيا ليتَهُنَّ الذي يعتدي | ويا ليتَكَ الرّجلُ المُعتدى
|
ويا ليتَ بلواكَ قُبُّ الصدورِ | ولُعسُ الشفاهِ وبيضُ الطُّلى
|
ويا ليتَ أنَّكَ لا تشتكي | ظَماءكَ إلاَّ لهذا اللَّمى
|
وليتَ بهنَّ ولا غيرهنَّ | تَنَقَّلُ في غضبٍ أو رِضا
|
بهنَّ ولا بغلاظِ الرقابِ | قِباحِ الوجوهِ خِباثِ الكُلى
|
سلامٌ على جاعلاتِ النَّقيقِ ، | على الشَّاطئينِ ، بَريدَ الهوى
|
لُعنتنَّ مِن صِبيْةٍ لا تشيخُ | ومن شِيْخَةٍ دَهْرَها تُصطبى
|
تقافَزُ كالجْنِّ بينَ الصخورِ | وتندسُّ تحتَ مَهيلِ النَّقا
|
حَلَفتُ بمنْ راءَكنَّ الحياةَ | سمحاءَ أبدعَ ما تُرتأى
|
وألبسكُنَّ جَمالَ الغديرِ | مَن صافَ منكنَّ أو مَن شتا
|
لأنتُنَّ من واهباتِ البيانِ | جَمالاً ومن مُحييِاتِ اللُغى
|
على أنَّها لُغةٌ ثرَّةٌ | عواطفكنَّ بها تُمترى
|
لقد عابكنَّ بما لا يُعابُ | فَدْمٌ بخَلْقٍ جميلٍ زَرى
|
بسَمحٍ يُنادمُ رَكبَ الخلود | ويُحسن للخابطينَ القِرى
|
يَدُلُّ على الماءِ مَن ضَلَّه | ويَرفعُ وحشةَ ليلٍ طَخا
|
كأنَّ بعينيكِ ياقوتتينِ | صاغهما جوهريٌّ جَلا
|
ولو لم يُخبِّرْ بريقُ النبوغِ | بعينيكِ عن مثلِ سفعِ الذّكا
|
لنَمَّ الجُحوظُ على شاعرٍ | بعيدِ الخيالِ عنيفِ الرؤى
|
سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ | هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى
|
وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً | وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا
|
وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم | بأن قد مضى الليلُ إلا إنى
|
ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ | عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى
|
وما برِحَ القمرُ المستديرُ | يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا
|
تلوذُ النجومُ بأذيالهِ | هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا
|
إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ | ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى
|
سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ | تناثرُ مِن حولهن القُرى
|
ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى | يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى
|
وحبلِ ضياءٍ تدلّى به | على أُفقٍ أُفقٌ والتقى
|
كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ | تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى
|
يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ | ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى
|
وينتزعانِ الشُفوفَ التي | تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى
|
رويداً رويداً كما سُرِّحتْ | غلائلُ غانيةٍ تُنتضى
|
وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ | نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى
|
تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ | وأُغرم عارٍ به فاكتسى
|
كأنَّ بها عالماً واحداً | تلاقى ، وإنْ بَعُد المنتأى
|
سلامٌ على بلدٍ صُنتُه | وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى
|
كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق | على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى
|
وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة | لنا عند غايتها مُلتقى
|
غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ | طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا
|
وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً | يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا
|
ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ | ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى
|
غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا | يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا |